شارع المتنبي ... جزء من تأريخ بغداد
شارع المتنبي علم شاخص في دنيا الثقافة العراقية وان اغتاله حرقاً من اراد اطفاء نور العلم والمعرفة في هذا المعلم العصري من معالم بغداد والعراق. ولشارع المتنبي تاريخه الخاص كجزء من محلة فراشة العباسية ودرب القز وهذه جولة استذكارية داخل المتنبي ومقهى الشاهبندر عبر التاريخ.
**عماد عبد السلام: الاتمك خانة:-
يقول الدكتور عماد عبد السلام رؤوف في كتابه (معالم بغداد في القرون المتاخرة) عن محلاتها واسواقها ووقفياتها فيقف في فصل (محلات بغداد) عند محلة (جديد حسن باشا) فيجد ان شارع السراي هو شارع جديد حسن باشا نفسه أما شارع المتنبي فنجده في فصل (دور الصناعة) تحت اسم (الاتمك خانة) او المطبخ الحكومي حيث يقول المؤلف "ويسمى احياناً بالاكمكخانة أي المخبز.. ونسب زقاق الى هذه المؤسسة فقيل هو زقاق الاكمكخانة، وعد من ازقة محلة جديد حسن باشا وهو شارع المتنبي فيما بعد".
**عباس بغدادي: القصة خون والمقامات:-
ويقول الاستاذ عباس بغدادي في كتابه (بغداد في العشرينات) وفي الفصل الخاص بـ(شارع الرشيد) عند حديثه عن شارع الاكمكخانة (المتنبي) ما نصه "في اخر هذا الشارع ومقابل قهوة الشابندر كان الفرن الكبير لصنع صمون العسكر زمن العثمانيين لذلك سمي جادة الاكمكخانة وعلى رأس هذا الشارع (من جهة الرشيد) مخزن ومحل اسطوانات حوريش وابن عمهم مغنى المقام يوسف حوريش وعلى الركن الاخر خرائب مسقفة".
وعن مقهى الشابندر يقول بغدادي "بالقرب من المحاكم ومقابل القشلة (كانت قهوة الشابندر) وكانت محطا لكل مراجعي المحاكم ودوائر الدولة فهي مزدحمة بالزبائن الذين يشربون النركيلة بانتظار فتح الدوائر الحكومية..
وبجوار قهوة الشابندر دكان لبيع القرطاسية والطوابع المالية يعود لرجل من بيت الاحمدي.. وبجوار المقهى مصوران بالماكنة القديمة لتصوير من يحتاج الى صور في مراجعته للدوائر وعلى الحائط في محل المصور قطعة من القماش الاسود فيها مختلف التصاوير.. وفي المساء كانت قهوة الشابندر محلا لانتظار (فتح) المايخانة المجاورة للمقهى التي تفتح بعد اذان المغرب او بانتظار القصخون او قارئ المقام العراقي وجوقة الموسيقى في بعض ايام السنة".
**هاشم الرجب: اخر مقهى للمقام:-
ويقول الحاج هاشم محمد الرجب (وهو شقيق الكتبي المرحوم قاسم محمد الرجب مؤسس مكتبة المثنى) في كتابه (من تراث الموسيقى والغناء العراقي) في الفصل الذي كان عنوانه "هكذا رأيت مقاهي بغداد في القرن العشرين" عن مقهى الشابندر "كان يقرأ فيها المقام رشيد القندرجي ويوسف حوريش وهي اخر مقهى قرئ فيها المقام الى نهاية الثلاثينيات وبالاخير (كذا) اقتصر (ت) قراءة المقام فيها خلال شهر رمضان فقط وانا رأيت ذلك وهي ما زالت قائمة الى هذا اليوم بالاسم نفسه وصاحبها محمد الخشالي من المحبين للمقام العراقي".
**سوق السراي والمتنبي:-
لم يكن شارع المتنبي مختصاً بالكتب والمكتبات الا من المكتبة العصرية التي كان صاحبها محمود حلمي قد اسسها في نهاية العقد الثالث واستورد الكتب من مصر وبلاد الشام وطبع اولى اعمال القاص الرائد محمود احمد السيد ووزع دواوين الرصافي والشبيبي محمد رضا وكان وكيلا لدار المعارف بمصر، ثم انتقلت ملكية المكتبة الى السيد محمد صادق القاموسي بعد وفاة حلمي.
وكانت معظم المكتبات الرئيسية بما فيها مكتبة المثنى لصاحبها قاسم محمد الرجب والمكتبة العربية لصاحبها الحاج نعمان الاعظمي ومكتبة الفلفلي ومكتبة ابراهيم السدايري ومكتبة المعارف لصاحبها محمد جواد حيدر ومكتبة السلام لمحمود قالبجي وغيرها من المكتبات موجودة ومتراصة في سوق السراي، ثم اسس الاخوان عبد الكريم وعبد الحميد زاهد مكتبتهما واعمالهما في القرطاسية في بداية شارع المتنبي قريباً من شارع الرشيد وعلى مقربة من صيدلية كاكا الشهيرة انذاك.
**التحول الكبير:-
وكان التحول الكبير في هذا الشارع الذي كان شارعاً يضم بعض المطاعم والمخازن والمطابع عندما انتقلت مكتبة المثنى عام 1950 ثم توالت انتقالات المكتبات الاخرى مثل مكتبة المعارف والمكتبة الحيدرية فيما اسس الشيخ علي الخاقاني مكتبة (البيان) فيها واسس عبد الرحمن حياوي (مكتبة النهضة) وظهرت مكتبات جديدة ومتخصصة بالعلوم وبالتراث. ازدادت اهمية شارع المتنبي الثقافية تدريجياً فيما ضعف شأن سوق السراي الذي تحول تدريجياً الى دكاكين لبيع المواد القرطاسية والكتب المدرسية القديمة وانتشرت فيه (بسطيات) المجلات القديمة.
ووجد مثقفو الستينيات وما بعدها في المتنبي رئة ثقافية تنتشر فيها المكتبات بكل اشكالها العلمية والدينية والتراثية ودخلت سوق الكتب الممتع الثري هذا وجوه جديدة تولت عملية شراء المكتبات الشخصية للادباء والفنانين واساتذة الادب واساتذة الجامعات الذين اذاهم الحصار الذي فرض على العراق في التسعينيات اثر احتلال العراق الكويت ووقوف المجتمع الدولي باسره ضد هذا العدوان الذي لم يكن العراقيون يفكرون به او يتوقعون حدوثه لولا النزعة الدكتاتورية وحب الاثرة والعدوان التي اتصف بها رأس النظام السابق المهم ان شارع المتنبي صار معلماً ثقافياً عربياً يزوره كل مثقف يصل بغداد ويكتنز من خبرتها ومخطوطاتها وكنوز المعرفة فيها.
**سوق الجمعة والثقافة البغدادية:-
وقد شكل سوق الجمعة في المتنبي ظاهرة حية في الحياة الثقافية البغدادية فقد كان المشتغلون بالادب والفن والصحافة يجتمعون في مقاهيهم الاثيرة كل جمعة صباحاً، حسن العجمي والبرلمان (التي زالت) بعد ان بقيت طويلاً تحت اسم مقهى الرشيد والمقاهي القريبة ثم يتحولون الى شارع المتنبي، يتجولون بين مكتباته ويقفون عند مكتبة الشطري حيث يبدأ مزاد الكتب النازلة حديثاً للسوق حيث توزع مكتبة عالم او اديب الى اشلاء بعد ان تباع بالمزاد في وقت يتهامس فيه اديب مع كتبي محاولاً الحصول على كتاب ممنوع ومستنسخ.
**حكاية الاستنساخ:-
وجد الباعة الشباب والشيوخ في حكاية الاستنساخ للكتب الممنوعة زمن النظام السابق سبيلاً محترماً للفائدة المادية –رغم خطورة الممارسة- ولايصال الكتب الجديدة التي لم تدخل العراق الى المثقفين باسعار ميسرة وكانت الكتب الدينية والسياسية المعارضة اولى الكتب التي تجد اقبالاً كبيراً عليها اضافة الى مستنسخات الموسوعات وكتب البرامج والكتب العلمية.
شارع المتنبي علم شاخص في دنيا الثقافة العراقية وان اغتاله حرقاً من اراد اطفاء نور العلم والمعرفة في هذا المعلم العصري من معالم بغداد والعراق. ولشارع المتنبي تاريخه الخاص كجزء من محلة فراشة العباسية ودرب القز وهذه جولة استذكارية داخل المتنبي ومقهى الشاهبندر عبر التاريخ.
**عماد عبد السلام: الاتمك خانة:-
يقول الدكتور عماد عبد السلام رؤوف في كتابه (معالم بغداد في القرون المتاخرة) عن محلاتها واسواقها ووقفياتها فيقف في فصل (محلات بغداد) عند محلة (جديد حسن باشا) فيجد ان شارع السراي هو شارع جديد حسن باشا نفسه أما شارع المتنبي فنجده في فصل (دور الصناعة) تحت اسم (الاتمك خانة) او المطبخ الحكومي حيث يقول المؤلف "ويسمى احياناً بالاكمكخانة أي المخبز.. ونسب زقاق الى هذه المؤسسة فقيل هو زقاق الاكمكخانة، وعد من ازقة محلة جديد حسن باشا وهو شارع المتنبي فيما بعد".
**عباس بغدادي: القصة خون والمقامات:-
ويقول الاستاذ عباس بغدادي في كتابه (بغداد في العشرينات) وفي الفصل الخاص بـ(شارع الرشيد) عند حديثه عن شارع الاكمكخانة (المتنبي) ما نصه "في اخر هذا الشارع ومقابل قهوة الشابندر كان الفرن الكبير لصنع صمون العسكر زمن العثمانيين لذلك سمي جادة الاكمكخانة وعلى رأس هذا الشارع (من جهة الرشيد) مخزن ومحل اسطوانات حوريش وابن عمهم مغنى المقام يوسف حوريش وعلى الركن الاخر خرائب مسقفة".
وعن مقهى الشابندر يقول بغدادي "بالقرب من المحاكم ومقابل القشلة (كانت قهوة الشابندر) وكانت محطا لكل مراجعي المحاكم ودوائر الدولة فهي مزدحمة بالزبائن الذين يشربون النركيلة بانتظار فتح الدوائر الحكومية..
وبجوار قهوة الشابندر دكان لبيع القرطاسية والطوابع المالية يعود لرجل من بيت الاحمدي.. وبجوار المقهى مصوران بالماكنة القديمة لتصوير من يحتاج الى صور في مراجعته للدوائر وعلى الحائط في محل المصور قطعة من القماش الاسود فيها مختلف التصاوير.. وفي المساء كانت قهوة الشابندر محلا لانتظار (فتح) المايخانة المجاورة للمقهى التي تفتح بعد اذان المغرب او بانتظار القصخون او قارئ المقام العراقي وجوقة الموسيقى في بعض ايام السنة".
**هاشم الرجب: اخر مقهى للمقام:-
ويقول الحاج هاشم محمد الرجب (وهو شقيق الكتبي المرحوم قاسم محمد الرجب مؤسس مكتبة المثنى) في كتابه (من تراث الموسيقى والغناء العراقي) في الفصل الذي كان عنوانه "هكذا رأيت مقاهي بغداد في القرن العشرين" عن مقهى الشابندر "كان يقرأ فيها المقام رشيد القندرجي ويوسف حوريش وهي اخر مقهى قرئ فيها المقام الى نهاية الثلاثينيات وبالاخير (كذا) اقتصر (ت) قراءة المقام فيها خلال شهر رمضان فقط وانا رأيت ذلك وهي ما زالت قائمة الى هذا اليوم بالاسم نفسه وصاحبها محمد الخشالي من المحبين للمقام العراقي".
**سوق السراي والمتنبي:-
لم يكن شارع المتنبي مختصاً بالكتب والمكتبات الا من المكتبة العصرية التي كان صاحبها محمود حلمي قد اسسها في نهاية العقد الثالث واستورد الكتب من مصر وبلاد الشام وطبع اولى اعمال القاص الرائد محمود احمد السيد ووزع دواوين الرصافي والشبيبي محمد رضا وكان وكيلا لدار المعارف بمصر، ثم انتقلت ملكية المكتبة الى السيد محمد صادق القاموسي بعد وفاة حلمي.
وكانت معظم المكتبات الرئيسية بما فيها مكتبة المثنى لصاحبها قاسم محمد الرجب والمكتبة العربية لصاحبها الحاج نعمان الاعظمي ومكتبة الفلفلي ومكتبة ابراهيم السدايري ومكتبة المعارف لصاحبها محمد جواد حيدر ومكتبة السلام لمحمود قالبجي وغيرها من المكتبات موجودة ومتراصة في سوق السراي، ثم اسس الاخوان عبد الكريم وعبد الحميد زاهد مكتبتهما واعمالهما في القرطاسية في بداية شارع المتنبي قريباً من شارع الرشيد وعلى مقربة من صيدلية كاكا الشهيرة انذاك.
**التحول الكبير:-
وكان التحول الكبير في هذا الشارع الذي كان شارعاً يضم بعض المطاعم والمخازن والمطابع عندما انتقلت مكتبة المثنى عام 1950 ثم توالت انتقالات المكتبات الاخرى مثل مكتبة المعارف والمكتبة الحيدرية فيما اسس الشيخ علي الخاقاني مكتبة (البيان) فيها واسس عبد الرحمن حياوي (مكتبة النهضة) وظهرت مكتبات جديدة ومتخصصة بالعلوم وبالتراث. ازدادت اهمية شارع المتنبي الثقافية تدريجياً فيما ضعف شأن سوق السراي الذي تحول تدريجياً الى دكاكين لبيع المواد القرطاسية والكتب المدرسية القديمة وانتشرت فيه (بسطيات) المجلات القديمة.
ووجد مثقفو الستينيات وما بعدها في المتنبي رئة ثقافية تنتشر فيها المكتبات بكل اشكالها العلمية والدينية والتراثية ودخلت سوق الكتب الممتع الثري هذا وجوه جديدة تولت عملية شراء المكتبات الشخصية للادباء والفنانين واساتذة الادب واساتذة الجامعات الذين اذاهم الحصار الذي فرض على العراق في التسعينيات اثر احتلال العراق الكويت ووقوف المجتمع الدولي باسره ضد هذا العدوان الذي لم يكن العراقيون يفكرون به او يتوقعون حدوثه لولا النزعة الدكتاتورية وحب الاثرة والعدوان التي اتصف بها رأس النظام السابق المهم ان شارع المتنبي صار معلماً ثقافياً عربياً يزوره كل مثقف يصل بغداد ويكتنز من خبرتها ومخطوطاتها وكنوز المعرفة فيها.
**سوق الجمعة والثقافة البغدادية:-
وقد شكل سوق الجمعة في المتنبي ظاهرة حية في الحياة الثقافية البغدادية فقد كان المشتغلون بالادب والفن والصحافة يجتمعون في مقاهيهم الاثيرة كل جمعة صباحاً، حسن العجمي والبرلمان (التي زالت) بعد ان بقيت طويلاً تحت اسم مقهى الرشيد والمقاهي القريبة ثم يتحولون الى شارع المتنبي، يتجولون بين مكتباته ويقفون عند مكتبة الشطري حيث يبدأ مزاد الكتب النازلة حديثاً للسوق حيث توزع مكتبة عالم او اديب الى اشلاء بعد ان تباع بالمزاد في وقت يتهامس فيه اديب مع كتبي محاولاً الحصول على كتاب ممنوع ومستنسخ.
**حكاية الاستنساخ:-
وجد الباعة الشباب والشيوخ في حكاية الاستنساخ للكتب الممنوعة زمن النظام السابق سبيلاً محترماً للفائدة المادية –رغم خطورة الممارسة- ولايصال الكتب الجديدة التي لم تدخل العراق الى المثقفين باسعار ميسرة وكانت الكتب الدينية والسياسية المعارضة اولى الكتب التي تجد اقبالاً كبيراً عليها اضافة الى مستنسخات الموسوعات وكتب البرامج والكتب العلمية.
تحياتي لكـــــــــــــم